الاثنين، 3 أكتوبر 2016

" واشنطو تايمز" توقعات إندلاع صراع جديد في ليبيا عقب اندحار داعش في سرت



التوقعات الغربية بحتمية اندلاع صراع جديد في ليبيا بين الفئات المسيطرة على غرب البلاد وتلك التي تسيطر على شرقها لا تنفك تأتينا بجديد مسنود بمعلومات وتكهنات مدعومة بشهادات متابعين من الداخل، في هذا الصدد قامت صحيفة " واشنطن تايمز الأمريكية" بنشر تقرير موسع حول سير العمليات في سرت نحو نهاياتها ما يمهد الطريق ويفتحه بين القوتين الرئيسيتين لو صح التعبير في الشرق والغرب، في الوقت الذي تواجه فيه حكومة الوفاق في طرابلس تحديات تهدد شرعيتها أمام الليبيين.

ومع اقتراب معركة سرت على الانتهاء، إذ تقلصت مساحة سيطرة «داعش» إلى أقل من ميل واحد، لفتت الجريدة الأميركية في تقريرها المنشور الأربعاء الماضي إلى استعدادات لخوض حرب جديدة «حول من يحكم كامل ليبيا»، ونقلت عن مقاتلين من مصراتة ضمن صفوف قوات حكومة الوفاق أنهم «يستعدون لخوض حرب أوسع حول من سيحكم البلاد».

ونقلت توقعات مسؤولين بالأمم المتحدة ومراقبين، طلبوا عدم ذكر أسمائهم، أن "تندلع تلك الحرب قريبًا» مستبعدين أن تتمكن «ليبيا، كدولة فاعلة، من الخروج من هذا الصدام".
ومن خلال متابعته للتطورات الحالية في ليبيا، رأى الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ماتيا توالدو، أن «ليبيا تخطو كل يوم خطوة أقرب إلى التقسيم الفعلي».
" واشنطن تايمز": مقاتلون من مصراتة ضمن صفوف قوات حكومة الوفاق "يستعدون لخوض حرب أوسع حول من سيحكم البلاد"
وفي الوقت الذي تقترب فيه معارك سرت على الانتهاء، بعد سيطر الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على منطقة الهلال النفطي، المسؤولة عن 60% من العائدات النفطية، مما أعطاه دفعة سياسية وعسكرية كبيرة، ووضع «قوات الجيش الليبي في مواجهة ضد قوات حكومة الوفاق الوطني»، وفق تقرير الجريدة الأميركية.

وتنقل الجريدة عن الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية كلوديا غازيني توقعها «تكرار محاولات السيطرة على الموانئ النفطية عسكريًا، فالإنتاج في منطقة الهلال النفطي يمثل 80% من إجمالي الصادرات الليبية وهو المصدر الأول للعائدات المالية في ليبيا»، وأضافت «من وجهة نظر سياسية وعسكرية، تحركات الجيش تعد نكسة كبيرة لسلطة حكومة الوفاق الوطني».

وقالت إن «قوات مصراتة تخشى أن يستغل حفتر الزخم الحالي والتوجه إلى غرب ليبيا»، وأشارت إلى تصريح رئيس المجلس العسكري في مصراتة إبراهيم بيت المال: قوله «يخطط حفتر على الأرجح لشن ضربات جوية ضد رجالنا في سرت».

ووصلت قوات الجيش الليبي حاليًا إلى منطقة هوارة، التي تبعد حوالي 45 ميلاً عن مواقع قوات حكومة الوفاق الوطني.
وذكرت أن مراقبين يستبعدون «إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية في وقت قريب، إذ يرفض الداعمون لحكومة الوفاق خليفة حفتر معتبرين وجوده عودة لحكم معمر القذافي»، بينما يرى الموالون لحفتر أنه «الليبي الوحيد القادر على محاربة الإسلاميين والمتطرفين».
ويتزامن ذلك مع تصريحات المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر أمام اجتماع لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، حذر فيها من انزلاق ليبيا مرة جديدة إلى الفوضى، مضيفًا: «للأسف، نحن الآن أمام مأزق سياسي، ولا يجب التقليل من خطورة زيادة التوترات بالعاصمة طرابلس».


السبت، 1 أكتوبر 2016

تقرير حول الأوضاع العامة في ليبيا حتى نهاية سنة 2014م

المتمعن في الأوضاع الليبية العامة في ليبيا اليوم سيلاحظ ـ بعد التدقيق ـأنها انعكاس طبيعي لكثير من التراكمات السلبية سواء كانت عفوية أو ممنهجة خلال عشرات السنين .
ولكي نستوعب طبيعة هذه الأوضاع لا بد لنا من التدقيق في جذورها, ومن تم استخلاص العوامل التي أسهمت في تشكيل الأوضاع الحالية في ليبيا, وأهم الجوانب التي تقوم عليها، وهذه الأوضاع هي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية.
أ‌- الأوضاع الاجتماعية
يتكون المجتمع الليبي من عدة عناصر بشرية امتزجت مع بعضها البعض في فترات متعاقبة من الزمن, ومن أهم العناصر التي يتكون منها المجتمع الليبي:-
1. العناصر القديمة مثل الإغريق والرومان و البربر.
2. العناصر العربية التي جاءت مع الفتح الإسلامي أو مع هجرات بني سليم وبني هلال منتصف القرن الخامس الهجري, إضافة إلى عناصر أخرى قدمت من المغرب الأقصى والأندلس في هجرة معاكسة ويطلق على هذه الفئة اسم ( الأهالي والأشراف).
3. العناصر التركية التي قدمت مع الجيش العثماني منتصف القرن السادس عشر الميلادي, ويعرفون باسم ((الكوار أوغلية)).
4. العناصر الزنجية من ذوي البشرة السوداء.
5. العناصر اليهودية ولكنها غادرت البلاد بعد 1967م.
انصهرت معظم هذه العناصر مع بعضها، لتشكيل النسيج الاجتماعي المميز لليبيا,ولكن بعد الثورة ظهرت عدة إشكاليات اجتماعية ممنهجة, من أهمها :
1. الصراع القبلي بين القبائل.
2. الصراع العنصري بين العناصر من عرب وبربر وزنوج.
3. الصراع الجهوي بين الأقاليم الليبية خاصة بين الشرق "برقة" والغرب "طرابلس".
ومن الملاحظ أن هذا الصراع لم يكن مؤثرا على الأوضاع العامة إلا خلال السنوات الثلاث الأخيرة وذلك يرجع الى أسباب كثيرة أهمها :
1. قيام نظام القذافي بالعبث بالتركيبة الاجتماعية خلال العقود الأربع الماضية وذلك بإدخال عناصر أخرى بعملية التجنيس مثل الموريتان وغيرهم من العناصر والجنسيات الأخرى.
2. تعمد القذافي زرع الفتن بين المدن والقبائل بهدف الاستقواء ببعضها على بعض عن طريق جهاز أمني متخصص تابع للأمن الداخلي.
3. الفراغ الأمني والسياسي والفكري في ليبيا بعد الثورة.
هنا نلاحظ أن بعض الأطراف السياسية في ليبيا قد استغلت هذا الصدع الاجتماعي في تنافسها غير الشريف – خاصة القوى المضادة لثورة فبراير ـ وذلك بالعمل على إحياء النعرات القبلية والجهوية المقيتة ودفعها للتقاتل والصراع مع بعضها من أجل تحقيق مكاسب سياسة.

ب‌- الأوضاع الاقتصادية:-
اكتشف النفط في ليبيا أواخر خمسينيات القرن العشرين وصدّرت أول دفعة منه سنة 1963م, ووضعت الحكومة الليبية آنذاك خطة خمسية(1964ـ1969)على أول حصة لليبيا من عائدات النفط الخام,وهي أول وآخر خطة تنمية حقيقية لا تزال آثارها حتى الوقت الحالي في المدن الليبية المختلفة, بعدها حدث انقلاب سبتمبر 1969م الذي أهدر إمكانيات البلاد الضخمة بعدة وسائل وأساليب ، بحيث لم يستفد منها الليبيون شيئاً, ومن هذه الأساليب :
1. خطط تنمية وهمية ومشاريع لا تقوم على أبسط الأسس العلمية.
2. مخصصات كبيرة جداً صُرفت على الأجهزة الأمنية والعسكرية الخاصة بحماية النظام.
3. تمويل مشاريع سياسية لزعزعة الاستقرار في المنطقة وتعقب المعارضين للقذافي في الدول الأخرى.
4. الاستثمارات الخارجية في عدد كبيرمن الدول مجهولة المقر والعائدات.
5. دعم دول وجهات إقليمية ودولية مشبوهة.
حتى إذا ما جاءت سنة 2011م كانت البنية التحتية والأساسية لليبيا في حالة انهيار، خاصة التعليم والصحة وغيرها من مؤسسات المجتمع التي تعتبر مخرجاتها صمام أمان لأي شعب في حالة الانفلات والفراغ الأمني المصاحب للثورات, مما أدى هذا كله في النهاية إلى سوء التصرف بالموارد الاقتصادية للدولة في السنوات الأخيرة وإنهاك الاقتصاد الليبي بشكل كبير, وذلك لظهورعدة عوامل جديدة بعد الثورة ، من أهمها:-
1. تدمير الموجود من المشاريع الاقتصادية بعد الحرب.
2. حالة عدم الاستقرار وهي آفة كل نشاط اقتصادي.
3. تعمد إقفال الموانئ والحقول النفطية وهي المورد الأساس للاقتصاد الليبي.
4. محاربة بعض الدول للاقتصاد الليبي عن طريق المنظمات والأسواق الدولية.
5. نشاط حركة التهريب للسلع المدعومة وتدفق المخدرات على البلاد.
6. تضخم الملاك الوظيفي وزيادة المرتبات.
7. التصرف في الميزانية وإصدار القرارات وتوقيع العقود في مرحلة انتقالية يفترض أن تكون مرحلة تسيير بأقل قدر.
ولعله من المفيد هنا توضيح الوضع الاقتصادي حاليا في ليبيا بالإشارة إلى أن هناك موارد اقتصادية أخرى لليبيا غير النفط لم تستغل بعد, ومن أهم هذه الموارد:-
1. الموقع الإستراتيجي لليبيا بين المناطق الصناعية في أوروبا ومناطق المواد الخام والطاقات البشرية في افريقيا.
2. الطاقات البديلة كالطاقة الشمسية والرياح المتوفرة في الصحراء الكبرى.
3. المحاصيل الاستراتيجية كالتمور والزيوت والحلفاء والثروة البحرية.
4. السياحة : لوجود عدد كبير من المواقع الأثرية القديمة والإسلامية، وكذلك واحات ورمال والصحراء الكبرى ، والشواطئ الدافئة.

جـ - الأوضاع السياسية:-
الليبيون حديثو عهد بالسياسة ... إذا ما استثنينا النخب من الذين احتكوا بالمؤسسات النظامية العثمانية،أو نشأوا في بلاد المهجركمصر والشام وتونس من أمثال "بشير السعدواوي" و"سليمان الباروني" و"إدريس السنوسي" وغيرهم, ولكن الرأي العام السياسي الليبي الذي تعتمد عليه اللعبة السياسية الحديثة غير موجود في ليبيا, لقد وئدت أول تجربة سياسية حزبية عند قيام الدولة الليبية منتصف القرن العشرين بإلغاء الأحزاب، ولكن الدولة الدستورية آنذاك مضت في مسيرتها دون أن تكلف نفسها تثقيف الشعب سياسياً ، حتى إذا ما انقلب الجيش على الدولة الدستورية 1969م لم يهتم الشعب بالدفاع عن المؤسسات الدستورية بل أنه ساند الانقلابين منجراً وراء الشعارات البرَّاقة متأثراً بالخطاب الناصري خاصة بعد نكسة1967م.
وبعد ذلك الإنقلاب عاش الليبيون أكثر من أربعين سنة تحت حكم الفرد مات خلالها كل حس للرأي العام الليبي بالوطنية والدستورية.
من هنا فإن الرأي العام الليبي أصبح بعد ثورة فبراير لقمة سائغة للتجاذبات السياسية الدولية, فانعكست تلك التجاذبات على هيئة صراعات وحروب داخلية صاحبها انحراف وعجز للمؤسسات الديمقراطية التي أفرزها صندوق الانتخاب, إضافة إلى كثرة الاختراقات في إدارات الدولة وانتشار الفساد نتيجة لفساد الإدارة الوسطى الموروثة من النظام السابق.
د- الأوضاع العسكرية:-
اكتمل تأسيس الجيش الليبي أواخر الخمسينيات من القرن العشرين باستكمال تكوين سلاح الجو والبحرية الليبية, ولكن لم تكد تمضي سنتان حتى حاول ذلك الجيش الإنقلاب سنة 1962م الذي أفشل في آخر لحظة ، وكان ذلك مؤشراً سيئا للمعيار الوطني الذي أسس عليه ذلك الجيش الذي نجح في محاولة أخرى بعد سبع سنوات 1969م في الإنقلاب وإنهاء وجود الدولة الدستورية ليحل محلها الحكم العسكري المطلق تحت حكم القذافي حتى اندلاع ثورة فبراير.
القذافي سرعان ما بدأ في تفتيت هذه الآلة العسكرية التي أوصلته إلى الحكم, خاصة بعد ما حاول الجيش الانقلاب عليه سنة 1975م؛ بدأ يعبث بتشكيلاته ويغير في قياداته دون مراعاة للرتبة أو الأقدمية، حتى أضحى بعد عشر سنوات عبارة عن هيكل أجوف كانت لحظاته الأخيرة في معركة وادي الدوم بتشاد سنة 1987م.
بعد تلك السنة أعلن القذافي صراحة حل الجيش الليبي, وأقام مقامه كتائب أمنية أشبه ما يكون بالعصابات الدولية الكبرى في إيطاليا أو أمريكا الوسطى، عملها الأساسي هو حماية نظامه وأسرته, من هنا فان ليبيا عند قيام ثورة فبراير لم يكن بها جيش نظامي, وأي شخص يدعي أنه من الجيش الليبي فهو غير واقعي يحاول أن يستند إلى جسم ميت منذ ربع قرن من الزمان, والحقيقة أن الذي واجهه ثوار17فبراير ما هي إلاعصابات من ليبيين موالين للقذافي ومرتزقة جلبوا من شتى أصقاع الأرض لحماية نظام دكتاتوري من غضبة الشعب.
لهذا فإن تكوين الجيش لا يمكن الشروع فيه إلا بعد قيام الدولة الدستورية وتحديد معايير وعقيدة هذا الجيش؛ ليُبنى وفق معايير وطنية حتى لا تتكرر مأساة الجيش السابق الذي أسس وفق معايير أجنبية طامعة في ليبيا.
ختاما ...
من خلال ما سبق تتضح الأوضاع العامة في ليبيا حتى نهاية سنة 2014م من خلال النقاط الآتية:-
1. إن المجتمع الليبي هو مجتمع متدين بطبعه، لكنه معتدل لا يرفض الرأي الآخر ويحترم كل الديانات الأخرى، ومتجانس فكرياًوإيديولوجياً ، حيث لا فِرق ولا طوائف في ليبيا، الغالبية العظمى من الليبيين من أهل السنة والجماعة على مذهب الإمام مالك، وقلة منهم على الإباضية أوالحنفية, وما يلاحظ من مجموعات تتبني آراء أخرى مؤخراً ما هي إلا نتيجة مباشرة لأعمال استخباراتيه سواء من النظام السابق أو الدول التي تدخلت في ليبيا بعد الثورة، أو ادعاءات باطلة لأطراف متصارعة لكي تبرر حربها على الطرف الآخر.
2. الاقتصاد الليبي منهك جداً نتيجة للسياسة العشوائية السابقة، أوالاستنتراف المنهج من قبل بعض القوى المضادة سعياً وراء كسب غير مشروع أو الضغط لفرض واقع معين.
3. الازمة السياسية في ليبيا مصدرها تدخل خارجي ـ للأسف ـ لفرض أمر واقع في ليبيا يخدم مصالح أطراف دولية, مستغلين في ذلك سوء الأوضاع الاجتماعية والفكرية عند الليبيين.
4. الجيش الليبي الذي يدعيه بعض الأطراف اليوم ما هو إلا أكذوبة الغرض منها تحشيد بعض القوات واستعمالها في الانقلاب على ثورة فبراير, والقضاء على أي أمل في قيام دولة ديمقراطية في ليبيا، وإعادتها إلى حظيرة الدكتاتورية من جديد لكن بشكل مقبول يتناسب وروح العصر!.
5. الأوضاع الأمنية في معظم ليبيا حالياً ممتازة جداً خاصة شمال غرب ليبيا من رأس اجدير وحتى سرت ومدن الجبل والجنوب، بؤر التوتر والأعمال العسكرية أصبحت محصورة في عدة نقاط كالتالي:
منطقة قاعدة الوطية والزنتان في الجبل الغربي.
منطقة الهلال النفطي من بن جواد حتى رأس لانوف.
منطقة الشرق من بنغازي وحتى امساعد .

منطقة أوباري في الجنوب الليبي.

تقرير البنك الدولي عن ليبيا

البلد في لمحة سريعة
تسعى منظمة الأمم المتحدة إلى الجمع بين مجلس النواب الليبي والمؤتمر الوطني العام معا على طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الصراع الذي اندلع في أعقاب الانتخابات التشريعية في الصيف الماضي. وتحث الأمم المتحدة كلا الطرفين على التوصل إلى اتفاق حول تكوين حكومة ائتلافية تتمثل أولى أولوياتها في استعادة تقديم الخدمات وثقة المواطنين، وكذلك محاربة الإرهاب الذي أصبح بصورة متزايدة خطرا يهدد عملية التحول السياسي وأمن واستقرار البلاد والمنطقة.
وفي هذا السياق من الاضطرابات السياسية، تأخرت طويلا عملية وضع مسودة دستور جديد. بالإضافة إلى ذلك، لم يتحقق تقدم في إعداد استراتيجية لتحفيز الاقتصاد غير النفطي وإرساء الأساس لنمو اقتصادي مستدام متنوع المصادر ويقوده القطاع الخاص.

السياق العام

أدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمي إلى تفاقم الصراعات السياسية والمسلحة الداخلية التي أعاقت إنتاج النفط وصادراته في ليبيا، وهي عوامل دفعت الاقتصاد الليبي إلى حالة من الركود منذ عام 2013. وقد أعاقت سلسلة من الإضرابات والخروقات الأمنية في مواقع إنتاج النفط أنشطة قطاع الهيدروكربونات المحلي بدرجة كبيرة. وانخفض إنتاج ليبيا من النفط إلى 0.5 مليون برميل يوميا في المتوسط في عام 2014 (نزولا من مليون برميل يوميا في عام 2013 وقدرة إنتاجية ممكنة تبلغ 1.6 مليون برميل يوميا). ونتيجة لذلك، تشير التقديرات إلى أن نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي قد انكمش حوالي 24% في عام 2014 في أعقاب تسجيل هبوط نسبته 13.6% في عام 2013. وأدى انكماش الاقتصاد خلال عامين متتاليين إلى خفض إجمالي الناتج المحلي الاسمي إلى النصف (من 82 مليار دولار في عام 2012 إلى 41.2 مليار دولار في عام 2014)، وكذلك الحال بالنسبة لنصيب الفرد من الدخل (من 12800 دولار في عام 2012 إلى 6600 دولار في عام 2014). ومازال الاقتصاد الحقيقي يعاني في عام 2015 بسبب الاضطرابات التي عطلت عمل قطاع النفط. غير أنه ونتيجة للانخفاض الشديد في الإنتاج في النصف الأول من عام 2014، ازداد إنتاج النفط 30% خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2015 ليصل إلى 0.41 مليون برميل يوميا في المتوسط. ولا يمثل هذا المستوى من الإنتاج سوى ربع قدرات الإنتاج التي تبلغ 1.6 مليون برميل يوميا. ونتيجة لذلك، تشير التقديرات إلى أن إجمالي الناتج المحلي سيرتفع 2.9% في عام 2015. وعلى الرغم من المنظومة العامة لدعم أسعار المستهلكين، قفز معدل التضخم 7.6 % في الربع الأول من عام 2015، ويرجع ذلك بالدرجة الرئيسية إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية (14.3%).

وشكل تجدد النزاع الداخلي ضغوطا هائلة على ميزانية الحكومة والوضع الخارجي. ويتجلى انهيار إيرادات الصادرات النفطية أكثر ما يتجلى في تراجع إجمالي الإيرادات بنسبة 61% في عام 2014 (نزولا من 54.8 مليار دينار ليبي في عام 2013 إلى أقل من 21.4 مليار دينار في عام 2014). وعلى جانب الإنفاق، تمثل فاتورة الأجور المرتفعة والدعم الكبير ما نسبته 69% من إجمالي الناتج المحلي (36 مليار دينار ليبي من أصل إجمالي بنود الإنفاق البالغة 44 مليار دينار). وقد اقترح كل من مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام في ليبيا مؤخرا موازنات تدعو إلى خفض دعم الوقود وغيره من أشكال الدعم. علاوة على ذلك، اقترحت الحكومتان السياسيتان خفض فاتورة الأجور بحوالي 18 % من مستواها في السنة المالية 2013 البالغ 22 مليار دينار ليبي. وفي الوقت نفسه، تراجع الإنفاق الرأسمالي (الإنمائي) إلى خمس ما كان عليه قبل الثورة. ونتيجة لذلك، تعاني الحكومة عجزا كبيرا في ميزانيتها يُقدَّر بنسبة 43.5 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014 (22.8 مليار دينار ليبي)، وهو أعلى عجز يتم تسجيله على الإطلاق. كما أضرت الأزمة السياسية بالصادرات، في حين ظلت الواردات التي يُحرِّكها الاستهلاك مرتفعة. وكان فائض الحساب الجاري الكبير الذي سجلته ليبيا في عام 2012 (29% من اجمالي ناتجها المحلي) قد انخفض بأكثر من النصف في عام 2013، قبل أن يتحول إلى عجز كبير نسبته 32.8 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014.

وتستند الآفاق الاقتصادية قصيرة الأجل إلى افتراض توصل أطراف النزاع إلى اتفاق سياسي في وقت لاحق من هذا العام تحت رعاية الأمم المتحدة، مما يتيح تشكيل حكومة وفاق وطني واستقرار الوضع الأمني. وفي هذا السياق، سيستمر تعافي الاقتصاد بخطى بطيئة لكن ثابتة، وخاصة في القطاع النفطي. وفي الأجل المتوسط، من شأن تسريع خطى استقرار الاقتصاد الكلي والإصلاحات في البلاد أن يطلق العنان لإمكانيات نمو هائلة. وستتحسن كل من الميزانية وموازين الحساب الجاري تحسنا كبيرا، وستتحول في نهاية المطاف إلى فوائض، مما يمكن الحكومة من الحفاظ على استقرار احتياطياتها الأجنبية. وتتمثل التحديات المباشرة في إدارة ضغوط الإنفاق المالي دون المساس بالحاجة لتسريع استعادة تقديم الخدمات الأساسية ومرافق البنية التحتية الحيوية.


وثمة هدف أطول أجلا هو المساعدة في إعداد إطار العمل والمؤسسات الضرورية لإقامة اقتصاد أكثر تنوعا يقوم على عوامل السوق، مما يؤدي إلى توسيع نطاق النشاط الاقتصادي خارج قطاع النفط والغاز. ومع أنه كان متوقعا في بادئ الأمر أن تقتصر مشاركة البنك الدولي بعد خروج ليبيا من الصراع الداخلي على جهود ليبيا من أجل التعافي الاقتصادي على الأجل القصير، فإن البرنامج الانتقالي سيرسي الأساس لأهداف أطول أجلا. ويتضمَّن هذا خلق اقتصاد أكثر حيوية وقدرة على المنافسة مع توفير إطار يتيح تكافؤ الفرص للقطاع الخاص لخلق وظائف وثروات مستدامة. وهو يشتمل أيضا على إدخال تغييرات جوهرية على إدارة العائدات النفطية لضمان استخدامها لتحقيق مصالح البلاد على خير وجه، ولمنفعة كل المواطنين على قدم المساواة. وسيضمن ذلك أيضا أن يكون للمواطنين دور في تحديد أفضل مصالح مجتمعاتهم المحلية والتعبير عنها.