السبت، 1 أكتوبر 2016

تقرير البنك الدولي عن ليبيا

البلد في لمحة سريعة
تسعى منظمة الأمم المتحدة إلى الجمع بين مجلس النواب الليبي والمؤتمر الوطني العام معا على طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الصراع الذي اندلع في أعقاب الانتخابات التشريعية في الصيف الماضي. وتحث الأمم المتحدة كلا الطرفين على التوصل إلى اتفاق حول تكوين حكومة ائتلافية تتمثل أولى أولوياتها في استعادة تقديم الخدمات وثقة المواطنين، وكذلك محاربة الإرهاب الذي أصبح بصورة متزايدة خطرا يهدد عملية التحول السياسي وأمن واستقرار البلاد والمنطقة.
وفي هذا السياق من الاضطرابات السياسية، تأخرت طويلا عملية وضع مسودة دستور جديد. بالإضافة إلى ذلك، لم يتحقق تقدم في إعداد استراتيجية لتحفيز الاقتصاد غير النفطي وإرساء الأساس لنمو اقتصادي مستدام متنوع المصادر ويقوده القطاع الخاص.

السياق العام

أدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمي إلى تفاقم الصراعات السياسية والمسلحة الداخلية التي أعاقت إنتاج النفط وصادراته في ليبيا، وهي عوامل دفعت الاقتصاد الليبي إلى حالة من الركود منذ عام 2013. وقد أعاقت سلسلة من الإضرابات والخروقات الأمنية في مواقع إنتاج النفط أنشطة قطاع الهيدروكربونات المحلي بدرجة كبيرة. وانخفض إنتاج ليبيا من النفط إلى 0.5 مليون برميل يوميا في المتوسط في عام 2014 (نزولا من مليون برميل يوميا في عام 2013 وقدرة إنتاجية ممكنة تبلغ 1.6 مليون برميل يوميا). ونتيجة لذلك، تشير التقديرات إلى أن نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي قد انكمش حوالي 24% في عام 2014 في أعقاب تسجيل هبوط نسبته 13.6% في عام 2013. وأدى انكماش الاقتصاد خلال عامين متتاليين إلى خفض إجمالي الناتج المحلي الاسمي إلى النصف (من 82 مليار دولار في عام 2012 إلى 41.2 مليار دولار في عام 2014)، وكذلك الحال بالنسبة لنصيب الفرد من الدخل (من 12800 دولار في عام 2012 إلى 6600 دولار في عام 2014). ومازال الاقتصاد الحقيقي يعاني في عام 2015 بسبب الاضطرابات التي عطلت عمل قطاع النفط. غير أنه ونتيجة للانخفاض الشديد في الإنتاج في النصف الأول من عام 2014، ازداد إنتاج النفط 30% خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2015 ليصل إلى 0.41 مليون برميل يوميا في المتوسط. ولا يمثل هذا المستوى من الإنتاج سوى ربع قدرات الإنتاج التي تبلغ 1.6 مليون برميل يوميا. ونتيجة لذلك، تشير التقديرات إلى أن إجمالي الناتج المحلي سيرتفع 2.9% في عام 2015. وعلى الرغم من المنظومة العامة لدعم أسعار المستهلكين، قفز معدل التضخم 7.6 % في الربع الأول من عام 2015، ويرجع ذلك بالدرجة الرئيسية إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية (14.3%).

وشكل تجدد النزاع الداخلي ضغوطا هائلة على ميزانية الحكومة والوضع الخارجي. ويتجلى انهيار إيرادات الصادرات النفطية أكثر ما يتجلى في تراجع إجمالي الإيرادات بنسبة 61% في عام 2014 (نزولا من 54.8 مليار دينار ليبي في عام 2013 إلى أقل من 21.4 مليار دينار في عام 2014). وعلى جانب الإنفاق، تمثل فاتورة الأجور المرتفعة والدعم الكبير ما نسبته 69% من إجمالي الناتج المحلي (36 مليار دينار ليبي من أصل إجمالي بنود الإنفاق البالغة 44 مليار دينار). وقد اقترح كل من مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام في ليبيا مؤخرا موازنات تدعو إلى خفض دعم الوقود وغيره من أشكال الدعم. علاوة على ذلك، اقترحت الحكومتان السياسيتان خفض فاتورة الأجور بحوالي 18 % من مستواها في السنة المالية 2013 البالغ 22 مليار دينار ليبي. وفي الوقت نفسه، تراجع الإنفاق الرأسمالي (الإنمائي) إلى خمس ما كان عليه قبل الثورة. ونتيجة لذلك، تعاني الحكومة عجزا كبيرا في ميزانيتها يُقدَّر بنسبة 43.5 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014 (22.8 مليار دينار ليبي)، وهو أعلى عجز يتم تسجيله على الإطلاق. كما أضرت الأزمة السياسية بالصادرات، في حين ظلت الواردات التي يُحرِّكها الاستهلاك مرتفعة. وكان فائض الحساب الجاري الكبير الذي سجلته ليبيا في عام 2012 (29% من اجمالي ناتجها المحلي) قد انخفض بأكثر من النصف في عام 2013، قبل أن يتحول إلى عجز كبير نسبته 32.8 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014.

وتستند الآفاق الاقتصادية قصيرة الأجل إلى افتراض توصل أطراف النزاع إلى اتفاق سياسي في وقت لاحق من هذا العام تحت رعاية الأمم المتحدة، مما يتيح تشكيل حكومة وفاق وطني واستقرار الوضع الأمني. وفي هذا السياق، سيستمر تعافي الاقتصاد بخطى بطيئة لكن ثابتة، وخاصة في القطاع النفطي. وفي الأجل المتوسط، من شأن تسريع خطى استقرار الاقتصاد الكلي والإصلاحات في البلاد أن يطلق العنان لإمكانيات نمو هائلة. وستتحسن كل من الميزانية وموازين الحساب الجاري تحسنا كبيرا، وستتحول في نهاية المطاف إلى فوائض، مما يمكن الحكومة من الحفاظ على استقرار احتياطياتها الأجنبية. وتتمثل التحديات المباشرة في إدارة ضغوط الإنفاق المالي دون المساس بالحاجة لتسريع استعادة تقديم الخدمات الأساسية ومرافق البنية التحتية الحيوية.


وثمة هدف أطول أجلا هو المساعدة في إعداد إطار العمل والمؤسسات الضرورية لإقامة اقتصاد أكثر تنوعا يقوم على عوامل السوق، مما يؤدي إلى توسيع نطاق النشاط الاقتصادي خارج قطاع النفط والغاز. ومع أنه كان متوقعا في بادئ الأمر أن تقتصر مشاركة البنك الدولي بعد خروج ليبيا من الصراع الداخلي على جهود ليبيا من أجل التعافي الاقتصادي على الأجل القصير، فإن البرنامج الانتقالي سيرسي الأساس لأهداف أطول أجلا. ويتضمَّن هذا خلق اقتصاد أكثر حيوية وقدرة على المنافسة مع توفير إطار يتيح تكافؤ الفرص للقطاع الخاص لخلق وظائف وثروات مستدامة. وهو يشتمل أيضا على إدخال تغييرات جوهرية على إدارة العائدات النفطية لضمان استخدامها لتحقيق مصالح البلاد على خير وجه، ولمنفعة كل المواطنين على قدم المساواة. وسيضمن ذلك أيضا أن يكون للمواطنين دور في تحديد أفضل مصالح مجتمعاتهم المحلية والتعبير عنها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق